ما هي السفينة؟ السفينة هي قبل كل شيء، مكان نحتمي فيه من الطوفان; نجتمع فيه، نحتفظ الحياة، نجمع موادًا سنبني منها العالم الجديد، ونراقب ما يخفيه خط الأفق، حتى وإن بنظرة مرتعدة. السفينة هي ملاذ في ساعة الطوارئ، بيت زمني، أمل في عُرض بحر عاتٍ.
ما الذي تحتويه السفينة؟ محتويات السفينة هي وليدة عملية إشرافية: لكل قرار إسقاطات تخلق وتشكل واقعًا، كل اختيار يعني تفضيل قصة على أخرى. تتخَذ القرارات بناءً على تفضيل قيَم معينة على محاور من التضادات: بين الحياة والموت، بين الماضي والمستقبل، بين المركزي والهامشي، الضرورة والرفاه، الحفظ والاندثار.
قصة الطوفان التوراتية هي واحدة من أساطير كثيرة، من ثقافات مختلفة، تروي قصة طوفان كبير يمحي عالمًا قديمًا تنجو الإنسانية منه بفضل بناء سفينة يولد فيها عالم جديد. في القصة اليونانية، ينجو ديوكاليون من الطوفان بعد أن يحذره منه والده، بروميثيوس، ما يمنحه ما يكفي من الوقت لبناء سفينة، بالتعاون مع زوجته بيرها، يختبئآن فيها من العاصفة على مدى تسعة أيام. في "ملحمة جلجامش"، ينجو أوتنابيشتيم بعد أن يحذره إئا (إنكي)، المخلص للبشر، ويأمره ببناء سفينة. في النص التوراتي، يدل استخدام الجذر ع.س.ه (ع.م.ل بالعبرية) على الدافع البشري للعمل في ساعات الطوارئ. إبان الطوفان، والهاوية، والماء، وفقدان السيطرة - يختار نوح، مثل أوتنابيشتيم وديوكاليون، التصرف والعمل.
تتناول قصص السفينة الموت والاندثار، لكن الإبداع والممارسة أيضًا; النشاط التصميمي الحِرَفي المشحون بالمسؤولية البشرية لممارسة الجمع والحفظ الكفيلة بالإنقاذ ونشر الأمل. ممارسة التصميم عامة، وفي الأزمات خاصة، تزودنا بباقة متنوعة من المهارات والقدرات على مواجهة وحل المشكلات في الوقت الفعلي وإنقاذ الحياة. في الأيام العادية، وخاصة في الأزمات، ليس المنتج التطبيقي هو أساس الممارسة التصميمية، بل كذلك خلق وجهات نظر جديدة، تواسط وحفظ المعرفة الثقافية والروحانية. اليوم، وفي خضم طوفان هائل، يوجه أسبوع التصميم في القدس نظرته نحو الأفق; يركز المصممون المشاركون على ممارسات وأعمال تتناول الأسس التي نريد أن نبني منها المستقبل، بعد أن تجف الماء.